أجمل مشاهد التلاحم الوطني، وأقوى معالم الوحدة الوطنية، وأطهر مثل النخوة والولاء التي شدّت العالم إلى ثورتنا منذ انطلاقتها في آذار 2011، تلك (الفزعات) الوطنية التي جعلت ابن درعا (مهد الثورة) وهو يغلي من العمل غير الإنساني الجبان مع أطفاله، ويصرخ من ساحات الجامع العمري بالكرامة، لا ينسى أهله الذين اعتقلوا قبل يومين في دمشق، وابن ريف درعا يهبّ فزعة للمعتصمين بجامعها العمري، وسرعان ما تسري الفزعة كتيار البرق فتصل لتخوم حمص وبانياس، ثم تنتفض إدلب للبيضا، فتنتفض درعا لحمص، وتقول الحراك لعصابات بشار: هنا بابا عمرو، في محاولة لتخفيف الضغط عن أهلهم بحمص، وإدلب الصمود بمدينتها وكل أريافها تغلي لما يجري في تلبيسة، والدير تنتفض للحولة، وكل سورية تغلي لمصاب داريا، وتدور الفزعات الوطنية عابرة للمدن والأرياف والسهول والبوادي حتى أولئك الذين غيّبهم احتلال نصف قرن خارج أسلاك الوطن في الجولان السليب.
هذه الصورة الجميلة لسورية المستقبل أقلقت بشار، وعصابات بشار، ومن وراء بشار من شرق وغرب، فما عملوا عليه لعقود من فتن خبيثة تهدف لتشطير هذا الشعب الواحد، وإثارة النعرات القومية والطائفية فيه، دمرته ثورة الكرامة وهي تحتفي بالجمعة العظيمة، وبجمعة أزادي، وبجمعة الشيخ صالح العلي، وبجمعة الوحدة الوطنية، وبجمعة الشهيد مشعل تمّو، وبشعارات: واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد، وبشعارات: اللّه…سورية…حريّة وبس!
ومن هنا كانت المؤامرة على الثورة بإثارة الحساسيات المناطقية والطبقية والعرقية والطائفية، في محاولة للتهوين من نضال منطقة، وكفران نضال أخرى، ومن سبق من، ومن تحمّل ما لم يتحمله غيره، وخذلان المدينة الفلانية، واستفادة المدينة الأخرى من بشار، وعدم نخوة زيد، وعدم ثوريّة عبيد، هذه الحساسيات التي بدأت تجد طريقها للظهور عبر بعض الشعارات المشبوهة في بعض الحراك الذي لا يمكن تعميمه كظاهرة، مع أنه انحراف فجّ عن شعارات الثورة الأولى، وعن التضحيات التي بذلها أولو السابقة في الثورة ممن كانوا ينادون بكرامة الشعب السوري كل الشعب السوري، وحريّة سورية كل سورية…
أكثر ما أفسد نقاء الوجهة الوطنية الواحدة أكذوبة تقاسم السلطة والكراسي بعد انطلاق العمل السياسي عبر مخاض المجلس الوطني، ومؤتمرات أصدقاء سورية، والرعايات العربية والدولية لبعض المعارضين السياسيين دون بعض! وتفاوضات واعترافات العالم الشكلية بهذه الكيانات وصولا للائتلاف الوطني والحكومة الانتقالية، هنا بدأ تتحرك نزعات تمثيل المدينة الفلانية المظلومة من الثوار، فهذه قدّمت أكثر، وهذه سبقت، وهذه بدأت العمل العسكري، وهذه صاحبة أكبر حشد في التظاهرات، وهذه مظلومة إعلاميا، وهذه تعبّر عن لون من الطيف السوري مسحوق قبل الثورة وبعدها، وهذه لم تأخذ المقاعد التي تليق بتعدادها، وهذه لم تأخذ المقاعد التي تليق بسابقتها، وهذه لم تأخذ المقاعد التي تليق بعدد شهدائها، وهذه وهذه!!
آن للثوّار السوريين اليوم أن يفوتوا على المتربصين بالثورة السورية الدوائر، عليهم دائرة السوء.
آن لهم أن يقفوا بالمرصاد للمتأبطين بالربيع العربي شرّا..
آن لهم أن يسحبوا البساط من تحت مثيري القلاقل من سدنة نظام بشار شعروا بأن عملهم هذا هو خدمة مباشرة لمشروعه الطائفي القميء أم لم يشعروا!
سورية واحدة… ويشهد شهداء الثورة بذلك..
سورية واحدة… فقد سالت دم السوري في مدينة ليست مدينته، لأنه كان مؤمنا بأن سورية رقم صعب جدا، وعدد أوّلي لا يقبل القسمة إلا على نفسه!
كلنا شركاء في سورية…وسورية المستقبل ستكون للجميع وبالجميع، ولن يحكمنا في سورية لون واحد بعد اليوم، ولا حزب قائد، ولا فرقة ناجية، ولو من وراء ستار التمثيل الشكلي للكيانات الكومبارس في مسرحية وحيد القرن، القائد الخالد في جهنّم، وجبهته التقدّمية!
عهدنا أن نبقى أوفياء في سورية لشعار الثورة الأول: واحد واحد واحد…الشعب السوري واحد!
Leave a Reply
You must be logged in to post a comment.